“لمسُ فيل في غرفة مظلمة” .. بقلم الشيخ عبدالرؤوف اليماني شيخ صوفية الصين

عبدالرؤوف اليمانى... شيخ الصوفية الصين وحوله مريدوه

 

تتضمّن الآثار الصوفية القديمة قصّة تشبه إلى حد بعيد القصة الصينية “العميان يلمسون الفيل”:

 

تم سحب فيل إلى غرفة مظلمة واستدعاء بعض الناس لتحسّسه. بسبب ظلمة المكان لم تر أعينهم شيئا، فمرّروا أيديهم عليه للمسه. من تحسّس الخرطوم قال أن الفيل خرطوم ماء؛ ومن تحسّس البطن قال أن الفيل جدار؛ أما من تحسّس الساقين فقال أن الفيل عمود؛ ومن تحسّس الذيل قال أن الفيل سوط. بعد خروجهم من الغرفة المظلمة، تجادلوا فيما بينهم إزاء طبيعة ما لمسوه بالداخل، حيث اعتقد كل واحد منهم أن ما اختبره هناك كان هو الصواب الوحيد، وبالتالي لم يستطع أحدهم إقناع الآخر.

إذًا من كان على صواب منهم ومن كان على خطأ؟ في واقع الأمر، لم تكن حقيقة الفيل الفعلية تتمثل في مظهره أو في ملمسه بل في كيانه الحقيقي، لم تكن تظهر في جزء منفرد من أجزائه بل في مجمله ككلّ. ليس الفيل أنبوبًا ولا جدارًا ولا سوطًا ولا عمودًا، إنما هو عبارة عن صورة كاملة متكاملة.

تُحكى هذه القصة في الكتب الصّوفية لتذكِّر بأن سبب الفروق الواقعة بين مختلف الآراء المتعلقة بالتوحيد يرجع إلى تفاوتات في مستويات إدراك الناس وفهمهم وخبراتهم. في الصين، تشير حكاية “العميان يلمسون الفيل” إلى مجموعة من العميان، كلّ واحد منهم يلمس الفيل في موضع مختلف: إما الخرطوم، أو البطن، أو الساقين، أو الذيل. عندها يصرّ كل فرد على صحّة تجربته الشخصية ويصدّق أن الفيل إما خرطوم ماء، أو جدار، أو عمود، أو سوط، ويتمسك برأيه ويتعصّب له. في النهاية، لا يقوَ أحد على إقناع الآخر، والكلّ يزعم أنه الواصف الصادق للحقيقة المطلقة.

الفرق هنا بين المجموعتين هو أن الأولى تتعرّف على الفيل في غرفة حالكة، فيحجبها الظلام عن الرؤية رغم تمتع أفرادها ببصر جيد، الشيء الذي أدى بها إلى إصدار أحكام مغلوطة. من جهة أخرى، هنالك مجموعة العميان التي تختبر الفيل مع وجود النور -وهو ظرف يستطيع فيه الإنسان العادي الرؤية بكل أريحية- لكن أعين عناصر هذه المجموعة فاقدة لوظيفتها، مما حرمها الرؤية وأوقعها في الخطأ.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *