فن السماع الصوفي الكسنزاني ثقافة روحية حضارية تتطور مع الزمن.. بقلم :نوري جاسم_العراق

شيخ الكسنزانية بالعراق

 

لفنون السماع الصوفي الكسنزاني حضور واسع وكبير ومتميز ولافت للنظر في العراق، إذ لا تكاد تخلو مدينة أو قرية عراقية من الفنون التي توارثتها الأجيال لهذا الفن الروحي الذوقي، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنسيج الثقافي والاجتماعي في العراق.

حتى صح القول ان العراق هو بلد التصوف الكسنزاني القادري الأول في العالم، فكانت المواليد النبويه الشريفة هي الأساس والأصل في انتشار هذه الفنون في المجتمع وبين الناس، وكانت أصوات المداحين تشدوا بصداها ورونقها العالي، وهي تمدح خير الخلق سيد الكائنات ( مولاي صل وسلم دائما ابدا، عل حبيبك خير الخلق كلهم ) وتتغنى بأجمل وأرق الاصوات وهي تصف هذا النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم تسليما بأجمل صفاته وأخلاقه وانواره وبركاته وشفاعته ومقاماته مكانته ورفعتها على كل الانبياء والمرسلين، فضلاً عن بني البشر.

ولهذه الأناشيد الكسنزانية الصوفية رونق مليء بفنون العبارة والتأثير الإيجابي والبعد الروحي، التي يحاول من خلالها المنشدون التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بذكره، وذكر حبيبه المصطفى وورثة علمه من آل بيته والصالحين من مشايخ سلسلة النور المحمدي الأعظم في الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، وكذلك شحذ الهمم في التوجه إلى كل ما فيه خير ونفع وعبادة وصدق وإيمان وأخلاق محمديه، وهذا يندرج تحت راية أهل العشق والحب والذوق الروحي الراقي.

وهذا العشق لا حدود له ولا منتهى، والحناجر الكسنزانية تصدح بنور الله ( الله الله ربنا يا هو، لكل قلب ذاكر يا هو ) وتشدوا بصفاء الصوت ( يا مصطفى يا مصطفى، أنوار العالم مصطفى ) وبنقاء الروح ( يا محمد يا نبي الأنبياء، يا إمام الرسل يا باب الرجاء ) وتتفاعل ببحرها العلوي ( لا فتى الا علي لا سيف الا ذو الفقار، صلوا على أل محمد حل ليل ونهار ) وتترنم بالعشق القادري ( موالي يا موالي يا موالي، ابو صالح يا سلطان الرجال ) وتمجد بصوتها الكسنزاني ( شيخنا محمد يا من اسمك أمان، سرك من الله يبقى كسنزان ).

وهذه القصائد هي الأناشيد التي تتغنى بذكر الله وحبيبه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم تسليما، وآل البيت والصالحين من مشايخ الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، ومن المعلوم ان التراث الصوفي الكسنزاني يحتل مكانة كبيرة بين الناس، لانه أصبح اليوم يمثل تاريخ وتراث التصوف والعرفان في العراق برمته، حتى أمست المدائح النبوية الكسنزانية جزء مهم في أي مناسبة روحية دينية أو اجتماعية فرح أو حزن، ومن المعلوم ان هذه الشعائر المتعلقة بالتعبد والاذكار والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ومناجاته، هي في حقيقتها مخاطبة لله سبحانه وتعالى وتعبير عن اختلاجات الشوق إلى الذات الإلهية والحقيقة المحمدية، تصدح بها ألسنة وأصوات أصحاب الذوق الرفيع في جمال الصوت والصورة، ومع الوقت تطورت هذه الشعائر وباتت نوع من أنواع الفنون الغنائية والموسيقية التراثية والشعبية الهامة في بلاد الرافدين، وجزء مهم من التراث الروحي الصوفي في العراق، وأصبح لها تأثير كبير وواسع على الفنون الروحية والصوفية في العالم أجمع.

وأن اللافت للنظر أن التكايا الكسنزانية في العراق تعج بالمريدين من طالبي طريق الحق إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه التكايا لا تتوقف فيها حلقات الذكر، وبعد كل حلقة ذكر هناك أصوات المداحين تتغنى بالذات الإلهية وصفاتها العظيمة من رحمة ومغفرة وأمان ونور وبركة وعظمة وجلال وجمال، وبالنبي الكريم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم، وهذا الإقبال على المدرسة الكسنزانية كطريقة للتعبد والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى لا حدود له.

فقد تحول إلي التقاء الأرواح التي تذكر وتتهجد لتبدع نمطاً روحياً موسيقياً فريداً نابعاً من الإحساس بالألم واللذة ومن الأعماق، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى اله وصحبه وسلم تسليما .

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *