“المرأة في الفضاء الصوفي”…بقلم سعاد الحكيم- لبنان

المرأة الصوفية

الصوفية اليوم

تَنَعَّمَت المرأة المسلمة بطيب مذاق المجد النسوي في العصر الذي وصفه رسول الله عليه صلوات الله بأنّه خير العصور في ذاك العصر، الحاضر في الذاكرة والمحفوظ جزء منه في دواوين الحديث النبوي الشريف وأجزاء كثيرة في روايات الصحابة الكرام، كانت النساء بحقّ شقائق الرجال، في السلم والحرب، وفي البيت والمسجد, فرأينا السيدة خديجة رضوان الله عليها في المرحلة المكية، وبشهادة رسول الله عليه صلوات الله، أنموذجًا راقيًا للمرأة التي نظرت بعين العدل والإنصاف والمحبة والحنوّ إلى مَعْدِن زوجها الإنساني فرأت من صدقه وأمانته وعظمة خُلُقه ما جعلها تؤمن به إنسانًا؛.

 

فرفعت الحدود المالية فيما بين ملكيتها وملكيته، وشاركته في كل ما أشركها به، وعندما أخبرها نبأ جبريل عليه السلام كانت أول من آمن به نبيًّا رسولا صلوات الله عليه، واستعدت لأن تكون معه في كل شأن ولأن تصبر معه على كل ظرف وإن تعرّض بدنها الطاهر لما يؤثر على صحته وعافيته. ورأينا السيدة عائشة رضي الله عنها –عبر النصوص التأسيسية والدراسات الكثيرة– أنموذجًا نبيلا للمرأة العالمة المعلّمة، والفقيهة المجتهدة، والحافظة والمحدّثة بما سمعته عن رسول الله عليه صلوات الله، والناقدة الممحّصة التي لم تقف عند مرحلة الرواية بل أعملت ميزان النقد في كل ما تسمعه من الصحابة عن رسول الله عليه صلوات الله، واستدركت –بالرفض وبالتصحيح– تسعة وخمسين استدراكًا (59 استدراكًا) على ثلاثة وعشرين من الصحابة. وقد ألّف الزركشي كتابًا في هذا الموضوع عنوانه: «الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة». ورأينا سيدات صحابيات كريمات في مجالس العلم، وفي ساحات الحرب بين القتلى والجرحى، وفي الأسواق يَرْقُبْنَ عمليات البيع والشراء، وفي المسجد موطن صنع القرار يشاركن في النقاش «السياسي» ويدافعن عن حقوقهن الشرعية.. نماذج أصيلة للمرأة الخطيبة والمجادِلة والمداوية والفقيهة والتاجرة والمحتسبة وغير ذلك.

 

أَسوقُ هذا الكلام كلّه، لأقول: إن الحراك النسائي كان نشطًا في العقود الأولى من تاريخ المسلمين، وإنّ الإسلام–نصًّا وتطبيقًا– بريء من تهميش المرأة، ومن حبسها في صورة نمطية، ومن حرمان الفضاء العام من مشاركتها العلمية والفكرية والاجتماعية والإنسانية، وإننا نثمِّن غاليًا جهود جميع العاملين –اليوم– على إظهار فاعلية المرأة المسلمة ومشاركتها الرجل في صنع حضارة الإسلام، ونقدّر عاليًا عمليات الحفر في التراث للكشف عن وجوه نسائية برزت عبر التاريخ– في ميدان الفقه والحديث والرواية والدراية، وجلست للتعليم ونقل المعرفة لأجيال من طلبة العلم، أو لتظهير وجوه نسائية اشتُهرت ببذل المال والحليّ في مجال أبدعه الإسلام ولم يكن معروفًا لدى العرب وهو مجال الأحباس والأوقاف، فبُنيت –بأموال النساء– مدارس ومكتبات عامة ومساجد ومستشفيات ودُور لطلبة العلم وخوانق (جمع خانقاه) لإقامة العبّاد والزهاد والصوفية واستقبال الفقراء وعابري السبيل وأربطة (جمع رِباط) للنساء العابدات الصوفيات انتشرت في بلاد المشرق العربي، وبخاصة في بغداد وحلب ودمشق والقاهرة، وأيضًا في بلاد المغرب العربي.

 

ونشارك في عمليات الحفر في التراث، للكشف عن تمثُّلٍ مختلف للمرأة، تمثُّل يتّسم بالمحبة والرحمة والحكمة والتقدير الذاتي بعيدًا من المواجهات والمجادلات والسجالات وصراع الأدلة والعلاقات السلطوية.. هذا التمثُّل هو: وجود المرأة في الفضاء الصوفي، وننظر إلى هذا الوجود من نافذة تطل على تجليات المرأة الصوفية وصورها في المدونة الصوفية.

 

 

 

 

 

 

 

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *