تمر علينا في هذه الأيام المباركة
الذكرى التاسعة و الثمانون لإستشهاد شيخ الشهداء وأسد الصحراء سيدي الشهيد عمر المختار إذا سمعت أسم عمر المختار ، أو اذا ذكر عند أحدنا يتبادر إلى اذهاننا، قصص أسد الصحراء و شيخ المجاهدين البطل الذي كافح الاستعمار و صده عن ليبيا حتى أنتهى به الأجل شهيداً خلد التاريخ اسمه.
إلا أن سيدي الشهيد عمر المختار بالرغم مما يحكى عنه أنه كان يقضي وقته في الجهاد و في القتال ؛ و لكن كان لابد من وجود وجه آخر للشيخ عمر المختار غفل الكثيرون عنه و هو حياته الدينية و تصوفه المبارك فلا يخفى على أذهاننا أنه نشأ و ترعرع في قوم كانت الطريقة السنوسية العليه هي مرجعهم و مذهبهم فاستمد من بركاتهم و علومهم و أخلاقهم ، و على رأسهم السيد الامام محمد المهدي السنوسي حيث يذكر عن ذلك الشيخ الزاهد الذي ولد عام ١٨٥٨ في بلدة طبرق شرقي ليبيا و تحديدا في بادية البطنان .
و كعادة العظماء سخر الله له أن يولد يتيما ليتعلم الصبر و تحمل مشقات الحياة منذ يومه الاول حتى ينشأ رجلا يضرب المثل به وتولى تربيته الشيخ حسن الغرياني رفيق والده محققًا رغبة والده فأدخله مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الإخوان والقبائل الأخرى.
وقد ظهر نبوغ الشيخ منذ صباه مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم، وملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء والمربين، الذين كانوا يشرفون على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين؛ ليعدوهم لحمل رسالة الإسلام الخالدة، ثم يرسلوهم بعد سنين عديدة من العلم والتلقي والتربية إلى مواطن القبائل في «ليبيا» و«إفريقيا»؛ لتعليم الناس وتربيتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه الرفيعة، ومكث في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية كالفقه والحديث والتفسير على يد كبار علماء السنوسية ومشايخهم.
وفي مقدمتهم كما ذكرنا الإمام السيد المهدي السنوسي قطب الطريقة الصوفية السنوسيةوالسيد الزروالي المغربي السيد الجولاني والعلامة فالح بن محمد بن عبد الله الظاهري المدني فدرس علومَ اللغة العربية، والعلوم الشرعية، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
إلا أنه كان زاهداً عابداً متصوفاً
و كان شديدَ الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وكان من اوراده انه يختم القرآن الكريم كل سبعة أيام منذ أن قال له الإمام محمد المهدي السنوسي: «يا عمر، وردك القرآن»، وذلك حينما استأذن في الدخول على الإمام محمد المهدي من حاجبه محمد حسن البسكري، وعندما دخل على المهدي تناول مصحفًا كان بجانبه وناوله للمختار، وقال: هل لك شيء آخر تريده، فقال له: يا سيدي إن الكثيرين من الإخوان يقرؤون أورادًا معينة من الأدعية والتضرعات أجزتموهم قراءتها، وأنا لا أقرأ إلا الأوراد الخفيفة عقب الصلوات، فأطلب منكم إجازتي بما ترون. فأجابه بقوله: «يا عمر، وردك القرآن»، فقبل يده وخرج يحمل هذه الهدية العظيمة «المصحف»، ثم حكى عن حاله مع أمر شيخه فقال: «ولم أزل بفضل الله أحتفظ بها في حلي وترحالي، ولم يفارقني مصحف سيدي منذ ذلك اليوم، وصرت مداومًا على القراءة فيه يوميًّا لأختم السلكة كل سبعة أيام، وسمعت من شيخنا سيدي أحمد الريفي: أن بعض كبار الأولياء يداوم على طريقة قراءة القرآن مبتدئًا (بالفاتحة) إلى (سورة المائدة)، ثم إلى (سورة يونس) ، ثم إلى (سورة الإسراء)، ثم إلى (سورة الشعراء)، ثم إلى (سورة الصافات)، ثم إلى (سورة ق)، ثم إلى آخر السلكة، ومنذ ذلك الحين وأنا أقرأ القرآن من المصحف الشريف بهذا الترتيب.
كان لطيب أخلاقه و شجاعته وأدبه نصيب في نيله لاهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسي؛ مما زاده رفعة وسموًّا، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن، حتى قال فيه السيد المهدي واصفًا إياه: «لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم»، ولثقة السنوسيين به؛ ولَّوه شيخًا على زاوية القصور بـ«الجبل الأخضر»؛ فقد وهبه الله تعالى ملكات، منها: جشاشة صوته البدوي، وعذوبة لسانه، واختياره للألفاظ المؤثرة في فن المخاطبة، وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه.
و اليوم و بعدما يقارب التسعين عاما على ذكرى استشهاده .. لازالت الالسن تمدحه و لا زال التاريخ يسطر و يخلد مجده .
فلعلها رسالة تكون لنا ، مفادها ، ان النصر و الجهاد السليم و الشهادة لا تتم الا بعد ان نجعل للتربية الصحية و تزكية النفوس نصيب عندنا فلا جهاد الا بعد جهاد النفس بالتزكية و لا طريق لبلوغ المجد و لدحر الاعداء و لنيل الشهادة الا طريق القوم اهل التصوف العباد الناسكين العارفين بالله تعالى فلن ننتصر على اعدائنا في هذا الزمن، الا بعد أن نجعل سيرهم و تعاليمهم بل و تصوفهم نصب اعيننا والله ولي التوفيق.