عندما يعجز المتسلطون عن اغتيال البشر وتصفيتهم جسدياً فإنَّهم يغتالونهم فكرياً، فالرجل يغتالون رجولته، والمرأة أنوثتها، والشباب عنفوانهم، والإنسان إنسانيّته! تتعدَّد الأساليبُ وتتنوَّع وتشتدُّ فعاليةً وخطورةً فيما بينها، وأعلاها خطورةً -مما يمارس على الشعوب الإسلامية- هو التشكيك في المعتقدات الدينية والسعي لمحو كل ثوابت ديننا بزعم الرأي والرأي الآخر!.
وإذا كانت أول جريمة على وجه الأرض كانت جريمة قتل؛ إلا أنه مع تطور البشر تطورت أشكال القتل واختلفت دوافعه وأسبابه، حتى وصلت الى الاغتيالات التي تبدأ بالتصفية الجسدية، وتصل إلى الاغتيال الفكري والمعنوي!
فوجئنا مؤخرا بمن يخرج علينا بشطحاته المعتاده_من خلال صفحته على الشبكة العنكبوتية_مراوغا ليتهم القائلين بنجاة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم قبول الرأي الآخر!.
مناديا بضرورة قبول أهل التأزهر_على حد قوله_والتصوف بسعة الصدر؛لاختلاف المذاهب؛وذلك بأن يكون لديهم شئ من حسن الظن بأهل العلم_ضربا منه تحت الحزام، هذا الحول الفكري لابد من وقفه عند حده؛والتصدي له بكافة أشكاله وصوره!.
لا سيما وأن الاغتيال الفكري هو أشرس أنواع الاغتيال؛فهو يستهدف الثقافة والعلم ودعم الخرافة والجهل وتزييف الحقائق، قضية نجاة والدي النبي عليه الصلاة والسلام؛قضية حسمت فيها أبواب الخلاف منذ قديم الزمان؛ ويؤمن بنجاتهما جمهور المسلمين؛وسوادهم الأعظم؛وهم أهل الفطرة السليمة التي لا تعرف تزيين الهدف تمهيدا للانقضاض على الثوابت!
لماذا إثارة هذه القضية في هذا الوقت تحديدا؟، وما هي الرسائل التي تريدها أن تصل إلى القاصي والداني؟، فما هو المقصود من فتح النقاش حولها في الوقت الحالي؟
أيظن هذا وغيره أنهم تربعوا على عرش الإسلام حكاما؟، ألم يعلموا أن في ذلك إيذاء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ [إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا].
ألم يستمعوا إلى نهي النبي عليه الصلاة والسلام؛أصحابه من ذكر أبي جهل بسوء؛كي لا يحزن ابنه عكرمة الذي جاء مسلما؟ لست أعلم كيف يقحم هؤلاء المساكين أنفسهم خصوما في قضية خاسرة يكون الحكم فيها عليهم لا لهم؟ ألم يفتخر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالانتساب إلى أجداده حين قال:أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب؟
فكيف يفتخر النبي بآباء لم تكتب لهم النجاة؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفتخرا:ولدت من نكاح؛ولم أولد من سفاح؛ولم يمسسني دنس من دنس الجاهلية؟ ألم يسمعوا عن النور الذي انتقل من وجه عبدالله إلى السيدة آمنه عقب دخوله بها؟
ألم يجالسوا العلماء بالأزهر الشريف جامعا وجامعة وتعلموا أنه لم يقل أحد من هؤلاء الفطاحل بقولك؟
ثم يطالبون الجميع بسعة الصدر!
عجبا لهم ثم عجبا ! فبئس الصدر الذي يتسع لهذا الهراء!، وبئست الحياة إن قبلت بهذه الإساءة لأبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم!
وإني لأزيدك ردا وبيانا بقول دار الافتاء المصريه تفصيلا في هذه المسألة.
القول بنجاة أبوَي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو القول الحق الذي استقرت عليه كلمة المذاهب الإسلامية المتبوعة، وهو قول المحققين من علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، وهو الذي انعقدت عليه كلمة علماء الأزهر الشريف عبر العصور، وعليه الفتوى بدار الإفتاء المصرية، كما حققه فضيلة مفتي الديار المصرية الأسبق العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، والتي ذكر فيها أن مَن زعم أن أبوَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ليسا مِن أهل الإيمان: [قد أخطأ خطأً بيِّنًا يأثم ويدخل به فيمن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لا يُحكَم عليه بالكفر؛ لأن المسألة ليست من ضروريات الدِّين التي يجب على المكلَّف تفصيلها. هذا هو الحق الذي تقتضيه النصوص وعليه المحققون من العلماء] اهـ.
وقد سلك علماء الأمة في إثبات هذا القول عدة طرق؛ أهمها:
أن موتهما كان قبل البعثة، ومَن مات ولم تبلغه الدعوة كان ناجيًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾
وأنهما كانا على الحَنِيفِيَّةِ السمحة؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ فوجب ألَّا يكون أحدٌ مِن أجداده صلى الله عليه وآله وسلم مشركًا.
وأن الله تعالى أحياهما لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فآمَنَا به، واحتجوا لذلك بأحاديث ترتقي بمجموعها إلى الحسن.
أما حديث: «إن أبي وأباك في النار» فقد حكم عليه جماعة من النقاد بالشذوذ، أو أن الراوي رواه بالمعنى فخلط فيه، والصواب رواية: «إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار».
فلْيتقِ اللهَ أولئك الأدعياء ولْيخشَوا لَعْنَة وإيذاءَ حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم المستوجب لِلَعْنِ فاعله، ولْيعلموا أنه لا ينبغي ذكر هذه المسألة إلا مع مزيد مِن الأدب مع مقام حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فهل بعد هذا كله تظن أنك أعلم الأرض قاطبة؟، وهل تظن أننا سنترك فطاحل العلماء والمحققين ونمشي خلفك؟، قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد، وينكر الفم طعم الماء من سقم كم نحن بالفعل في أشد الحاجة إلى تشريع جديد؛ يواجه ويضرب بيد من حديد؛ كل من تسول له نفسه الإساءة؛ لأي من رموز الأديان؛ بصفة عامة؛ ورموزنا الفكرية بصفة خاصة؛ سواء بالتصريح أو التلميح،وليس هذا حجرا على الأفكار كما يزعمون؛وانما تنقية وإنقاذا لعقول شبابنا وفتياتنا من أصحاب الأفكار الهدامة التي وإن أحسنت منطقها؛الا أن في باطنها العذاب .