وضح الباحث في التصوف الاسلامي الدكتور نوري جاسم حكم استخدام الدفوف في الانشاد الديني والمديح النبوي وذلك علي خلفية ظهور دعوات بتحريم استخدام الدفوف في المديح وخاصة هذه الأيام التي يتم فيها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف .
قال الدكتور نوري جاسم الباحث في التصوف الاسلامي، حين تتفتح القلوب على حب النبي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ويهتز الوجدان طربًا لذكر شمائله، تُشرَع الألسنة بالمديح، وتنبض الأكف على الدف، لا لهوًا ولا عبثًا، بل طاعةً ومحبّةً وبهجةً مشروعة، لها أصل في السنة، وسند من الفقه، وروح من الذوق العرفاني والصوفي الصافي،
ولقد ثبت في الصدر الأول من الإسلام، أن ضرب الدف والطبل كان مباحًا، بل مشروعًا في الأعياد والمناسبات، بل ومحببًا حين يكون مظهرًا للفرح المشروع، كما أثبت ذلك الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه الخالد “إحياء علوم الدين”، في بابٍ مخصوص سمّاه: “آداب السماع والوجد”. ولنقف هنا مع نصوص الشريعة وأقوال العلماء، لتتضح مشروعية الدف في مديح المصطفى ﷺ، بعيدًا عن الغلو، وخارجًا عن أهواء من ضيّق واسعًا.
دلائل الإباحة في السنة النبوية
وتابع “جاسم ” قائلا : حديث قدوم النبي سيدنا محمد ﷺ إلى المدينة، ولما دخل ﷺ طيبة، خرجت الرجال والنساء والصبيان يغنون فرحًا : “طلع البدر علينا من ثنيات الوداع…” وهذا حديث أخرجه البيهقي، وصححه ابن حجر، وقال الإمام الغزالي “فهذا إظهار سرور بقدومه ﷺ، وهو سرور محمود، وفعله بالشعر والنغمات والدف جائز.”
وتابع قائلا : كذلك حديث الجاريتين عند عائشة رضي الله عنها “دخل النبي سيدنا محمد ﷺ وعندي جاريتان تغنيان، فدخل أبو بكر فزجرهما، فقال ﷺ: «دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد». وهذا حديث رواه البخاري ومسلم قال الغزالي “فيه جواز الغناء والضرب بالدف، وترك الإنكار في مواضع الفرح.”، وكذلك حديث الجارية التي نذرت أن تضرب بالدف “يا رسول الله، إني نذرت إن ردك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدف، فقال: «إن كنتِ نذرتِ فافعلي».” رواه أبو داود، ولذلك لو كان الدف حرامًا، لما صحّ نذرها، إذ نذر المعصية لا يُوفى به.
واضاف الباحث قائلا : حديث “فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح” رواه الترمذي وأحمد، وهو نص صريح في استحباب إعلان الفرح، وضرب الدف كتمييز للحلال عن الحرام، وقياسًا عليه سائر الفرح المشروع كمديح النبي سيدنا محمد ﷺ، وقالوا في الدف والفرح المشروع: الإمام النووي “الدف مباح في العيد والعرس والفرح المشروع.”، وابن حجر العسقلاني “في الحديث جواز إنشاد الشعر وضرب الدف وإظهار السرور.”، وأبو حامد الغزالي قال الغناء بضرب الدف جائز في كل سبب مشروع للفرح، كقدوم مسافر، أو اجتماع أحبة، أو مديح في شمائل المصطفى ﷺ.” ثم قال رحمه الله “الآلات التي ليست شعارًا لأهل الفساد، كالدُّف والطبل والقضيب، تبقى على أصل الإباحة.”
الدف… وتجليات الروح
وأوضح الباحث الصوفي قائلا : أورد الغزالي أن الضرب على الدف له آثار محمودة في القلب، منها:
1. غناء الحجاج حين يطوفون وينشدون، لما فيه من تهييج الشوق إلى بيت الله.
2. تشجيع المجاهدين في ساحة الجهاد، بأوزان شعرية تحفز الهمم.
3. السماع في الأفراح المشروعة، كالأعياد والولائم والختان ومناسبات حفظ القرآن الكريم.
4. سماع أهل المحبة، ممن يتذوقون معاني الحب الإلهي والوجد الصادق، ويجدون في السماع والدف تهذيبًا للنفس، لا تهييجًا للشهوة، والدف في مدح النبي سيدنا محمد ﷺ… عبادة لا لهو، وإذا كانت الأفراح الدنيوية، كالزواج والوليمة والعيد، يشرع فيها الضرب على الدف، فكيف بالفرح بسيد الخلق ﷺ؟ إن مدحه ﷺ ليس كلامًا يُقال، بل نورًا يُتلى، وذكرًا يُرتّل، فإذا واكب ذلك دف طاهر، ولحن شريف، بلا فحش ولا منكر، كان ذلك من أنواع الذكر، ووسائل المحبة، وقربةً إلى الله.
وأوضح :خلاصة القول : إن الدف جائز بالنص والقياس، في الفرح المشروع، ومدح النبي سيدنا محمد ﷺ فرح مشروع، بل هو من أعظم القربات، واستعمال الدف في مديحه ليس بدعة ولا لهوًا، إن خلا من المخالفة، فدعوا الدف يُحدّث عن الأشواق،ودعوا المديح يرتل العشق،
فمن لم تطربه أناشيد المحبة،فهو عن العرفان في غفلة.



